سورة الحجرات - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجرات)


        


{ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم} فيه بيان لحسن الأدب وهو خلاف ما جاؤوا به من سوء الأدب وطلب العجلة في الخروج {لكان خيراً لهم} أي الصبر لأنك كنت تعتقهم جميعاً وتطلقهم بلا فداء. وقيل: لكان حسن الأدب في طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم خيراً لهم: وقيل: نزلت الآية في ناس من أعراب تميم وكأن فيهم الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن والزبرقان بن بدر فنادوا على الباب. ويروى ذلك عن جابر قال: جاءت بنو تميم فنادوا على الباب فقالوا: يا محمد اخرج علينا فإن مدحنا زين وذمنا شين فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «إنما ذلكم الله الذي مدحه زين وذمه شين» قالوا نحن ناس من تميم جئنا بشاعرنا وخطيبنا جئنا نشاعرك ونفاخرك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بالشعر بعثت ولا بالفخر أمرت، ولكن هاتوا» فقام منهم شاب فذكر فضله وفضل قومه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس، وكان خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قم فأجبه» فقام فأجابه وقام شاعرهم فذكر أبياتاً فقال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: «أجبه» فأجابه فقام الأقرع بن حابس فقال: إن محمد المؤتى له تكلم خطيبنا فكان خطيبهم أحسن قولاً وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أحسن شعراً وقولاً ثم دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يضرك ما كان قبل هذا» ثم أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكساهم وقد كان تخلف في ركابهم عمرو بن الأهتم لحداثة سنه فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما أعطاهم فأزرى به بعضهم وارتفعت الأصوات وكثر اللغط عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل فيهم: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} الآيات إلى قوله: {والله غفور رحيم} أي لمن تاب منهم. وقال زيد بن أرقم: جاء ناس من العرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقال بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى هذا الرجل فإن يكن نبياً فنحن أسعد الناس به، وإن يكن ملكاً نعش في جنابه فجاؤوا فجعلوا ينادونه: يا محمد يا محمد.


قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق بعد الوقعة مصدقاً وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية، فلما سمع به القوم تلقوه تعظيماً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله، فهابهم فرجع من الطريق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أن يغزوهم فبلغ القوم رجوع الوليد فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله سمعنا برسولك فخرجنا نتلقاه ونكرمه ونؤدي له ما قبلناه من حق الله فبدا له الرجوع فخشينا أنه إنما رده من الطريق كتاب جاءه منك لغضب غضبته علينا وإنا نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله فاتهمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث خالد بن الوليد خفية في عسكر وأمره أن يخفي عليهم قدومه، وقال: انظر فإن رأيت منهم ما يدل على إيمانهم فخذ منهم زكاة أموالهم وإن لم تر ذلك، فاستعمل فيهم ما تستعمل في الكفار ففعل ذلك خالد. فوافاهم فسمع منهم أذان المغرب والعشاء فأخذ منهم صدقاتهم ولم ير منهم إلا الطاعة والخير فانصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر فأنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق} يعني الوليد بن عقبة.
وقيل: هو عام نزلت لبيان التثبت وترك الاعتماد على قول الفاسق وهو أولى من حكم الآية على رجل بعينه، لأن الفسوق خروج عن الحق ولا يظن بالوليد ذلك إلا أنه ظن وتوهم فأخطأ، فعلى هذا يكون معنى الآية: إن جاءكم فاسق بنبأ، أي بخبر، فتبينوا. وقرئ: {فتثبتوا} أي: فتوقفوا واطلبوا بيان الأمر وانكشاف الحقيقة ولا تعتمدوا على قول الفاسق {أن تصيبوا} أي كيلا تصيبوا بالقتل والسبي {قوماً بجهالة} أي جاهلين حاله وحقيقة أمرهم {فتصبحوا على ما فعلتم} أي من إصابتكم بالخطأ {نادمين واعلموا أن فيكم رسول الله} أي: قاتقوا الله أن تقولوا باطلاً أو تكذبوه فإن الله يخبره ويعرفه حالكم فتفتضحوا {لو يطيعكم} أي الرسول {في كثير من الأمر} أي مما تخبرونه به فيحكم برأيكم {لعنتم} أي لأثمتم وهلكتم عن أبي سعيد الخدري «أنه قرأ: {واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم} قال: هذا نبيكم يوحى إليه وخيار أئمتكم لو أطاعهم في كثير من الأمر لعنتوا فكيف بكم اليوم» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب {ولكن الله حبب إليكم الإيمان} أي جعله أحب الأديان إليكم {وزينة} أي حسنة وقربه منكم وأدخله {في قلوبكم} حتى اخترتموه لأن من أحب شيئاً إذا طال عليه قد يسأم منه والإيمان في كل يوم يزداد في القلب حسناً وثباتاً وبذلك تطيعون رسول الله صلى الله عليه وسلم {وكره إليكم الكفر والفسوق} قال ابن عباس: يريد الكذب {والعصيان} جميع معاصي الله تعالى وفي هذه لطيفة، وهو أن الله تعالى ذكر هذه الثلاثة الأشياء في مقابلة الإيمان الكامل المزين في القلب المحبب إليه.
والإيمان الكامل: ما اجتمع فيه ثلاثة أمور: تصديق بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان. فقوله: {وكره إليكم الكفر} في مقابله.
قوله: {حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم} وهو التصديق بالجنان والفسوق وهو الكذب في مقابلة الإقرار باللسان فكره إلى عبد ه المؤمن الكذب وهو الجحود وحبب إليه الإقرار بشهادة الحق والصدق وهو: لا إله إلا الله. والعصيان في مقابلة العمل بالأركان فكره إليه العصيان وحبب إليه العمل الصالح بالأركان ثم قال تعالى: {أولئك هم الراشدون} إشارة إلى المؤمنين المحبب إليهم الإيمان المزين في قلوبهم أي: أولئك هم المهتدون إلى محاسن الأعمال ومكارم الأخلاق {فضلاً من الله} أي فعل ذلك بكم فضلاً منه {ونعمة} عليكم {والله عليم} أي بكم وبما في قلوبكم {حكيم} في أمره بما تقتضيه الحكمة وقيل عليم بما في خزائنه من الخير والرحمة والفضل والنعمة حكيم بما ينزل من الخير بقدر الحاجة إليه على وفق الحكم.
قوله عز وجل: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا}.
(ق) عن أنس قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم لو أتيت عبد الله بن أبيّ. فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم فركب حماراً وانطلق المسلمون يمشون معه وهي أرض سبخة، فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم قال: إليك عني والله لقد آذاني نتن حمارك. فقال رجل من الأنصار: والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحاً منك. فغضب لعبد الله رجل من قومه، فتشاتما، فغضب لكل واحد منهما أصحابه فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال فبلغنا أنها نزلت فيهم: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما.
ويروى أنها لما نزلت قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم فأصلحوا وكف بعضهم عن بعض.
(ق) عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار عليه إكاف تحته قطيفة فدكية وأردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر قال: فسار حتى مر على مجلس فيه عبد الله بن أبي ابن سلول وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبيّ. وإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبد ة الأصنام واليهود وفي المسلمين عبد الله بن رواحة فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبيّ أنفه بردائه ثم قال: لا تغيروا علينا.


{إنما المؤمنون إخوة} أي في الدين والولاية ذلك أن الإيمان وقد عقد بين أهله من السبب والقرابة كعقد النسب الملاصق وإن بينهم ما بين الإخوة من النسب والإسلام لهم كالأب قال بعضهم:
أبي الإسلام لا أب لي سواه *** إذا افتخروا بقيس أو تميم
{فأصلحوا بين أخويكم} أي إذا اختلفا واقتتلا {واتقوا الله} أي فلا تعصوه ولا تخالفوا أمره {لعلكم ترحمون}.
(ق) عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يشتمه. ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته. ومن فرَّج عن مسلم كربة فرج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله تعالى يوم القيامة» والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده.
فصل في حكم قتال البغاة:
قال العلماء: في هاتين الآيتين دليل على أن البغي لا يزيل اسم الإيمان، لأن الله تعالى سماهم إخوة مؤمنين مع كونهم باغين ويدل عليه ما روي عن علي بن أبي طالب، وهو القدوة في قتال أهل البغي، وقد سئل عن أهل الجمل وصفين أمشركون هم؟ فقال: لا إنهم من الشرك فروا. فقيل: أمنافقون هم؟ فقال: لا إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً. قيل: فما حالهم؟ قال: إخواننا بغوا علينا. والباغي في الشرع: هو الخارج على الإمام العدل فإذا اجتمعت طائفة لهم قوة ومنعة فامتنعوا عن طاعة الإمام العدل بتأويل محتمل ونصبوا لهم إماماً فالحكم فيهم أن يبعث إليهم الإمام ويدعوهم إلى طاعته، فإن أظهروا مظلمة أزالها عنهم وإن لم يذكروا مظلمة وأصروا على البغي قاتلهم الإمام حتى يفيئوا إلى طاعته. ثم الحكم في قتالهم أن لا يتبع مدبرهم ولا يقتل أسيرهم ولا يذفف على جريحهم نادى منادي على يوم الجمل: ألا لا يتبع مدبر ولا يقتل أسير ولا يذفف على جريح، وهو بذال معجمة، وهو الإجهاز على الجريح وتحرير قتله وتتميمه. وأتي علي يوم صفين بأسير فقال: لا أقتلك صبراً إني أخاف الله رب العالمين. وما أتلفت إحدى الطائفتين على الأخرى في حال القتال من نفس ومال فلا ضمان عليها قال ابن شهاب كانت في تلك الفتنة دماء يعرف في بعضها القاتل والمقتول وأتلف فيها أموال ثم صار الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم وجرى الحكم عليهم فما رأيته اقتص من أحد ولا أغرم مالاً. أما من لم تجتمع فيه هذه الشروط الثلاثة: بأن كانوا جماعة قليلين لا منعة لهم، أو لم يكن لهم تأويل، أو لم ينصبوا إماماً، فلا يتعرض لهم إذا لم ينصبوا قتالاً ولم يتعرضوا للمسلمين فإن فعلوا ذلك فهم كقطاع الطريق في الحكم.
وروي أن علياً سمع رجلاً يقول في ناحية المسجد: لا حكم إلا الله. فقال علي: كلمة حق أريد بها باطل. لكم علينا ثلاثة: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نبدؤكم بقتال.

1 | 2 | 3 | 4